في الأيام الأخيرة تصدرت صور وفيديوهات تظهر تشققات وتصدعات في جسم كوبري العاشر من رمضان مشاهد مواقع التواصل، وأعاد هذا الملف فتح سؤال أوسع عن جودة صيانة البنى التحتية ومسؤولية الدولة في ظل أزمة اقتصادية خانقة، وما ظهر هو لقطات مواطنين توثق تصدعات وبلاغات محلية عن إغلاق جزئي أو أعمال صيانة.
في سبتمبر 2023، شهد كوبري سيراميكا في العاشر من رمضان حادث تصادم تسبب في وفاة شخص وإصابة اثنين، وسط جدل حول حالة الكوبري، الذي خضع لتجديدات حديثة.
رغم الأنباء والتصريحات الرسمية حول نسبة إنجاز مشاريع كباري جديدة في المنطقة تصل لنحو 99%، إلا أن حالة البنية التحتية تتعرض لإهمال واضح، مما يعكس اخفاقات في التخطيط والتنفيذ.
إدارة حي مصر القديمة ومحافِظات القاهرة والسُلطة المحلية تعاملت خلال السنوات الماضية مع ملف كوبري العاشر عبر عمليات تفكيك جزئي وتجديد للكوبري القديم استعداداً لبناء جديد؛ تقارير صحفية حكومية تحدثت عن أعمال فك للكوبري القديم في يوليو/ديسمبر 2023 وإجراءات تطوير وإعادة فتح لمسارات خلال 2022–2023.
كما وثّقت صحف محلية في أعوام 2022–2023 تحويلات مرورية وأعمال تركيب "جباريت" وصبّ بلاطات خلال عمليات الصيانة والتوسعة، لكن ما انتشر مؤخراً على فيسبوك ومنصات محلية من صور أو فيديوهات؛ يُظهر تشققات أثارت مخاوف السكان.
لا يوجد تصريح رسمي واحد متاح حالياً يكشف تكلفة كاملة لعملية التجديد أو الإحلال للكوبري بالرقم الدقيق.
ما هو متاح لدى جهات الدولة هو أرقام طموحة لبرامج الطرق والكواري العامة، فقد أعلنت الدولة سابقاً عن خطط لإنشاء آلاف الكباري بتكلفة مبدئية بلغت عشرات المليارات (مثال: خطة لإنشاء 1,000 كوبري/نفق بتكلفة مذكورة على مستوى برامج الطرق، أرقام حكومية ومشروعات سابقة متاحة في بيانات رسمية).
لكن تكلفة مرحلية محددة لكوبري العاشر لم تُنْشَر بوضوح، لهذا، أي رقم يُتداول على مواقع التواصل يجب التعامل معه بحذر حتى صدور كشف رسمي.
تصريحات المسؤولين.. وعود وعبارات مألوفة
تصريحات المسؤولين المحليين أثناء أعمال التجديد في 2023 ركزت على الالتزام بالجداول الزمنية وفك الاختناقات المرورية وضرورة تسريع العمل، مثلاً تصريحات رئيس حي مصر القديمة الذي تفقد الأعمال ووجّه الشركات بالالتزام بالبرامج الزمنية، لكن هذه اللغة الرسمية كثيراً ما تتكرر عند كل أزمة بنيوية، ولا تقترن غالباً بإفصاح مالي دقيق أو محاسبة علنية عن أسباب تردّي الأعمال أو عن مقاولي التنفيذ.
لماذا يُنظر للحادثة كدليل على فشل أوسع؟
يمكن ربط ما حدث من تصدعات أو إهمال محتمل أو صيانة متأخرة، بسياق أوسع من السياسات الاقتصادية والإدارية كـ:
- تراجع القدرة المالية للدولة: مصر مرّت بأزمة عملة وضغوط تضخمية حادة في 2022–2024، ودفعتها إلى برنامج بحجم 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي وإجراءات تقشفية وتعويم لليرة ــ مؤشرات كانخفاض النمو وتسارع التضخم كانت مرئية.
هذا يجعل تمويل الصيانة الدورية للمشروعات الكبيرة أكثر تحدياً.
- أولوية المشاريع الكبرى على حساب الصيانة: تُصرف الأرقام الضخمة من الأجهزة الرسمية الآن على مشاريع كبرى مثل (كباري جديدة، محاور، قطارات) في حملات الإنجاز الإعلامي، بينما تنخفض ميزانية الصيانة الدورية، ما يترك بنى تحتية قائمة عرضة للتلف، والتقارير الحكومية السابقة عن قوائم مشاريع تشير إلى إنفاق ضخم على إنشاءات جديدة.
- غياب الشفافية والمحاسبة: تكرار عبارة التزام الشركات بالجدول وتحويل المسؤوليات الإدارية يجعل السؤال عن جودة العقود، ورقابة الإشراف، ومحاسبة منفذي الأشغال دون إجابات واضحة، هذا يفاقم فقدان ثقة المواطن.
أرقام اقتصادية تدعم الحُجة النقدية
معدل التضخم السنوي بلغ مستويات مرتفعة عامي 2023–2024 وصل إلى مستويات عشرات النقاط المئوية في 2023 ثم تذبذب بعدها، ونمو الناتج المحلي تراجع إلى نحو 2–3% في السنة المالية 2023/24 قبل توقعات تحسّن هامشية لاحقاً، بحسب مؤسسات دولية وتقارير اقتصادية، وارتفاع التضخم وهشاشة الاحتياطي الأجنبي يمثلان عامل ضغط على تمويل الصيانة والبنية التحتية.
من المسؤول وما المطلوب الآن؟
صور التصدعات والعلامات على الكوبري حققت قلقاً شعبياً؛ ولابد من إعلان رسمي يوضح الوضع الفني (انهيار كامل أم تشققات)، وتقرير عن التكلفة وأسباب الضرر، وإجراءات إرجاع السلامة الفورية، ومساءلة واضحة للمقاولين والمشرفين.
ما حدث يعكس فشلاً مؤسسياً متواصلاً في إدارة الأصول العامة والموارد المالية، وهو ما ينبغي أن يكون مادة للنقاش العام والمساءلة لا لمراوغات المسؤولين.